قال المعترض الغير مؤمن: كُتب إنجيل متى بالعبرانية، وفُقد بسبب تحريف الفرق المسيحية, والموجود الآن ترجمته، ولا نعلم اسم مترجمه ,
وللرد نقول بنعمة الله : كان وحي إنجيل متى باللغة اليونانية:
(1) لأنها كانت اللغة المتداولة في عصر المسيح ورسله, ولما كانت غاية الله إعلان مشيئته وإرادته، كان لا يُعقل أن يوحى بلغة غير متداولة لئلا تضيع الفائدة المقصودة,
(2) كان متى عشاراً قبل دعوته للرسالة، فكان عارفاً باليونانية، لأنه لا يمكن أن يؤدي واجبات وظيفته بدون معرفتها,
(3) كتب جميع الرسل الأناجيل والرسائل باللغة اليونانية للمسيحيين، سواء كانوا من اليهود أو الأمم، وعلى هذا القياس كُتب إنجيل متى باللغة اليونانية,
(4) يوجد توافق في كثير من عباراته وعبارات باقي الأناجيل, ولو جاء بغير هذه اللغة لما وُجد هذا التوافق,
والأغلب أن فكرة كتابة متى لإنجيله باللغة العبرية جاءت نتيجة ما اقتبسه المؤرخ يوسابيوس عن بابياس أسقف هيرابوليس سنة 116م قال: كتب متى إنجيله باللغة العبرية , غير أن بابياس لم يقل إنه رأى بعينيه هذا الإنجيل باللغة العبرية، بل: كان إنجيل متى متداولاً بين الناس باللغة اليونانية قبل عصره , فقولهم إنه كُتب باللغة العبرية مجرد ظن وتخمين، بخلاف البيانات الدالة على أنه كُتب باللغة اليونانية, ومن تتبَّع العبارات التي استشهد بها مِنْ كتب العهد القديم يرى أنها مأخوذة من الترجمة السبعينية، أي من اللغة اليونانية, فلو كان كُتب باللغة العبرية لَجاَءَت الآيات الواردة فيه من التوراة العبرية, ولو سلّمنا جدلاً أن هذا الإنجيل كُتب باللغة العبرية لقلنا إن الرسول كتبه باللغة اليونانية أيضاً، فكان موجوداً باللغتين اليونانية والعبرية معاً, والمؤرخ يوسيفوس كتب حروف اليهود باللغة العبرية واللغة اليونانية معاً، لتعم الفائدة, وعلى كل حال فقد كان هذا الإنجيل متداولاً بين المسيحيين في القرن الأول بعد المسيح,
مع هذا نسأل: ما هو العيب في أن يكون إنجيل متى قد كُتب بالعبرية ثم تُرجم لليونانية؟ إن الكتب المقدسة الموحى بها من الله لا تضيع معانيها وطلاوتها إذا تُرجمت إلى اللغات الأخرى,
وقال إيريناوس في سنة 178م إن متى نشر أيضاً إنجيلاً بين العبرانيين بلغتهم، وهذه العبارة تفيد أنه زيادة على إنجيله باللغة اليونانية، نشر هذا الإنجيل بالعبري لإفادة العبرانيين,
وقال أوريجانوس في سنة 230م: بلغني من التقاليد المأثورة عن الأربعة الأناجيل التي تتمسك بها كل الكنائس تحت السماء، أن الإنجيل الأول وحيٌ لمتّى الذي كان عشاراً وبعد ذلك صار رسولاً ليسوع المسيح، الذي نشره للمؤمنين في اليهودية بأحرف عبرية , فهذه الشهادة تدل على أن إنجيله كان باللغة اليونانية لإفادة جميع المسيحيين، ثم نشره بالعبري لإفادة اليهود,
فينتج مما تقدم أن إنجيل متى كُتب باللغة اليونانية، على أنه لا مانع أن يكون قد كُتب بالعبرية، ثم تُرجم لليونانية، فهذا لا يضرّ الوحي بشيء,
وقال المعترض الغير مؤمن: لا يوجد سندٌ متَّصل لإنجيل متى ,
وللرد نقول بنعمة الله : أشار برنابا (الذي كان رفيقاً لبولس) إلى إنجيل متى في رسالته سبع مرات، واستشهد به أغناطيوس سنة 107م في رسائله سبع مرات، فذكر حبل مريم العجيب، وظهور النجم الذي أعلن تجسُّد المسيح, وكان إغناطيوس معاصراً للرسل، وعاش بعد يوحنا الرسول نحو سبع سنين، فشهادته من أقوى البيانات على صحّة إنجيل متى, واستشهد بوليكاربوس (تلميذ يوحنا الرسول) بهذا الإنجيل في رسالته خمس مرات، وكان هذا الإنجيل منتشراً في زمن بابياس (أسقف هيرابوليس) الذي شاهد يوحنا الرسول, كما شهد كثير من العلماء المسيحيين الذين نبغوا في القرن الأول بأن هذا الإنجيل هو إنجيل متى، واستشهدوا بأقواله الإلهية، وسلَّمه السلف إلى الخلف,
وفي القرن الثاني ألّف تتيانوس كتاب اتفاق الأناجيل الأربعة وتكلم عليه هيجسيبوس، وهو من العلماء الذين نبغوا في سنة 173م، وكتب تاريخاً عن الكنيسة ذكر فيه ما فعله هيرودس حسب ما ورد في إنجيل متى، وكثيراً ما استشهد به جستن الشهيد الذي نبغ في سنة 140م، وذكر في مؤلفاته الآيات التي استشهد بها متى من نبوات إشعياء وميخا وإرميا, وقِسْ على ذلك مؤلفات إيريناوس وأثيناغورس وثاوفيلس الأنطاكي وأكليمندس الإسكندري الذي نبغ في سنة 164م وغيرهم,
وفي القرن الثالث تكلم عليه ترتليان وأمونيوس مؤلف اتفاق البشيرين ويوليوس وأوريجانوس واستشهدوا بأقواله وغيرهم,
وفي القرن الرابع اشتبه فستوس في نسبة هذا الإنجيل بسبب القول: وفيما يسوع مجتاز من هناك رأى إنساناً عند مكان الجباية اسمه متى، فقال له: اتبعني, فقام وتبعه (متى 9: 9), فقال فستوس: كان يجب أن يكون الكلام بصيغة المتكلم، ونسي أن هذه الطريقة كانت جارية عند القدماء, فموسى كان يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب، وكذا المسيح ورسله، وزينوفون وقيصر ويوسيفوس في مؤلفاتهم، ولم يشكّ أحدٌ في أن هذه الكتب هي كتبهم, وفي القرن الرابع زاد هذا الانجيل انتشاراً في أنحاء الدنيا,
قال المعترض الغير مؤمن: قال نورتون إن الأصحاحين الأولين من إنجيل متى ليسا منه ,
وللرد نقول بنعمة الله: أنكر الذين لا يؤمنون أن المسيح وُلد من مريم العذراء بطريقة معجزية هذين الأصحاحين، لأنهما يشتملان على نسب المسيح حسب الجسد، واتخاذه الجسد من مريم العذراء بطريقة معجزية, والقرآن يقول إن المسيح حُبل به من الروح القدس بدون واسطة بشرية، فمن أنكر أو كذَّب متى 1 و2 يكذّب القرآن أيضاً,
وإليك الأدلة المؤيِّدة لذلك:
(1) يدل أول أصحاح 3 على أنه مرتبط بكلام سابق, فهو ليس بدء كلام بل هو متصل بكلام يسبقه, وزد على هذا أن متى استشهد في أصحاحي 1 و2 بالنبوات، وهي طريقته المعهودة, فإذا قلنا إن إنجيله خالٍ من نسب المسيح كان ذلك نقصاً، لأنه كتب إنجيله للمسيحيين من أصل يهودي، وكلام الله منزّه عن النقص,
(2) جاء متى 1 و2 في جميع النسخ القديمة بدون استثناء، مثل نسخة الفاتيكان ونسخة كامبردج ونسخة كودكس، وتاريخ هذه النسخ هو قبل الجيل الخامس، فهي منذ 1500 سنة, وكذلك نسخة الباشيتو، وكذلك النسخة الايطالية القديمة والنسخة القبطية، وغيرها من النسخ القديمة,
(3) تكلم علماء الدين الأقدمون على هذين الأصحاحين، فتكلم أكليمندس الإسكندري سنة 194م عن نسب المسيح المذكور في متى 1 ولوقا 3 , وقال هيجسيبوس سنة 173 عبارة ذكرها يوسابيوس إن الإمبراطور دوميتيان فتش عن ذرية داود، فأُحضر أمامه اثنان منهم, قال المؤرخ: لأنه خاف من مجىء المسيح كما جزع وخاف هيرودس قبله , فأشار بهذا الكلام إلى متى 2 الذي يقول إن هيرودس جزع وفزع من المسيح, وذكر يوستين الشهيد (سنة 140) كل الحوادث المذكورة في هذين الأصحاحين، بل ذكر ذات عبارات البشير, وقال إغناطيوس (سنة 107) في رسالته إلى أهل أفسس: وُلد المسيح بمعجزة من مريم العذراء , وذكر ظهور النجم الذي دلَّ على مولده, ولايخفى أن إغناطيوس تُوفي بعد البشير يوحنا بست سنين، فشهادته لها منزلة رفيعة عند العلماء, وهناك شهادات إيريناوس وباقي الآباء الذين أتوا بعد ذلك، والجميع مسلّمون بها, وهناك شهادات أعداء الديانة المسيحية، ومنهم الإمبراطور يوليان الذي كان في منتصف القرن الرابع، وبوقيري الذي كان في القرن الثالث, ومع أن مؤلفاتهم فُقدت، إلا أن أئمة الدين المسيحي ذكروا اعتراضاتهم في أثناء الرد عليها، وأشار جميعهم إلى ميلاد المسيح كما هو مذكور في متى 1 و2,
وقد أقام علماء الدين المسيحي البراهين على صحة كل حادثة ذُكرت في هذين الأصحاحين,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 1: 19 أن يوسف أراد تخلية مريم سراً بسبب حبَلها، حتى كلَّمه الملاك في متى 1: 20 مع أن الملاك كان قد أعلن لمريم قبل ذلك أنها ستحبل (لوقا 1: 26 و27), فيكون أن هذين النصَّين متناقضان ,
وللرد نقول بنعمة الله : النصان صحيحان, ظهر الملاك لمريم، ثم ظهر ليوسف, ولم تكن مريم قد أخبرت يوسف بإعلان الملاك لها، لأنها كانت تعلم أن كلماتها وحدها لن تقنع يوسف بأن حَبَلها هو من الروح القدس, ثم أنها كانت تعرف أنها بريئة، وأن الله قد شرَّفها أن تكون أم المخلّص, فلتنتظر حتى تعلن السماء براءتها ليوسف ولغيره,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 1: 22 و23 وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويدعون اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا , والمراد بالنبي هو إشعياء عند علمائهم، فانه ورد في إشعياء 7: 14 يعطيكم السيد نفسه آية: ها العذراء تحبل وتلد ابناً، وتدعو اسمه عمانوئيل ,
وهذا غلط بوجوه, الأول: كلمة العذراء التي ترجمها متَّى ومترجم كتاب إشعياء بالعذراء، هي عَلْمَه مؤنث علم، والهاء فيه للتأنيث, ومعناه عند علماء اليهود المرأة الشابة، سواء كانت عذراء أو كانت غير عذراء , وجاء هذا اللفظ في الأمثال 30 ومعناه المرأة الشابة التي تزوجت , وفُسر هذا اللفظ في كلام إشعياء بالمرأة الشابة، في الترجمات اليونانية الثلاث في ترجمة سنة 129 وسنة 175 وسنة 200, وكلام متى ظاهر, وقال فري في بيان اللغات العبرية إنه بمعنى العذراء والمرأة الشابة, وحَمْله على العذراء خاصة يحتاج إلى دليل,
وللرد نقول بنعمة الله : لما كان اليهود غير مؤمنين بأن يسوع هو المسيح كلمة الله الأزلي، حاولوا تفسير النبوات لكي لا تصدق عليه رغم وضوحها,
على أن مثل هذه الأدلة لا يصح أن يُخاطب بها إلا اليهودي، أو الكافر، فكلاهما لا يعترف بولادة المسيح من عذراء، بخلاف المسلمين الذين يؤمنون أن الله فضّل مريم على نساء العالمين، فورد في آل عمران 3: 42 وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهّرك، واصطفاك على نساء العالمين وورد في التحريم 66: 12 ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا، وصدقت بكلمات ربها وكتبه، وكانت من القانتين وورد في المؤمنين 23: 50 وجعلنا ابن مريم وأمه آية , والقرآن ذاته شنّع في اليهود لافترائهم على مريم، فقال في النساء 4: 156 وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً , والدليل على أنها كانت عذراء ما ورد في مريم 19: 20 قالت (أي للملاك) أنَّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر، ولم أك بغيّا؟ وفي عدد 21 قال كذلك قال ربك هو عليّ هين ولنجعله آية للناس ورحمة منّا، وكان أمراً مقضيّاً , فالقرآن شاهد بأن مريم حبلت بالمسيح من الروح القدس، وأن الله فضّلها على نساء العالمين، وأنها حبلت بالمسيح وهي عذراء بكر لم تعرف رجلاً, وكان الواجب على المعترض أن لا يتمسك بالاعتراضات الفارغة التي يستند عليها أعداء المسيح ومريم,
وللرد نقول بنعمة الله : كان وحي إنجيل متى باللغة اليونانية:
(1) لأنها كانت اللغة المتداولة في عصر المسيح ورسله, ولما كانت غاية الله إعلان مشيئته وإرادته، كان لا يُعقل أن يوحى بلغة غير متداولة لئلا تضيع الفائدة المقصودة,
(2) كان متى عشاراً قبل دعوته للرسالة، فكان عارفاً باليونانية، لأنه لا يمكن أن يؤدي واجبات وظيفته بدون معرفتها,
(3) كتب جميع الرسل الأناجيل والرسائل باللغة اليونانية للمسيحيين، سواء كانوا من اليهود أو الأمم، وعلى هذا القياس كُتب إنجيل متى باللغة اليونانية,
(4) يوجد توافق في كثير من عباراته وعبارات باقي الأناجيل, ولو جاء بغير هذه اللغة لما وُجد هذا التوافق,
والأغلب أن فكرة كتابة متى لإنجيله باللغة العبرية جاءت نتيجة ما اقتبسه المؤرخ يوسابيوس عن بابياس أسقف هيرابوليس سنة 116م قال: كتب متى إنجيله باللغة العبرية , غير أن بابياس لم يقل إنه رأى بعينيه هذا الإنجيل باللغة العبرية، بل: كان إنجيل متى متداولاً بين الناس باللغة اليونانية قبل عصره , فقولهم إنه كُتب باللغة العبرية مجرد ظن وتخمين، بخلاف البيانات الدالة على أنه كُتب باللغة اليونانية, ومن تتبَّع العبارات التي استشهد بها مِنْ كتب العهد القديم يرى أنها مأخوذة من الترجمة السبعينية، أي من اللغة اليونانية, فلو كان كُتب باللغة العبرية لَجاَءَت الآيات الواردة فيه من التوراة العبرية, ولو سلّمنا جدلاً أن هذا الإنجيل كُتب باللغة العبرية لقلنا إن الرسول كتبه باللغة اليونانية أيضاً، فكان موجوداً باللغتين اليونانية والعبرية معاً, والمؤرخ يوسيفوس كتب حروف اليهود باللغة العبرية واللغة اليونانية معاً، لتعم الفائدة, وعلى كل حال فقد كان هذا الإنجيل متداولاً بين المسيحيين في القرن الأول بعد المسيح,
مع هذا نسأل: ما هو العيب في أن يكون إنجيل متى قد كُتب بالعبرية ثم تُرجم لليونانية؟ إن الكتب المقدسة الموحى بها من الله لا تضيع معانيها وطلاوتها إذا تُرجمت إلى اللغات الأخرى,
وقال إيريناوس في سنة 178م إن متى نشر أيضاً إنجيلاً بين العبرانيين بلغتهم، وهذه العبارة تفيد أنه زيادة على إنجيله باللغة اليونانية، نشر هذا الإنجيل بالعبري لإفادة العبرانيين,
وقال أوريجانوس في سنة 230م: بلغني من التقاليد المأثورة عن الأربعة الأناجيل التي تتمسك بها كل الكنائس تحت السماء، أن الإنجيل الأول وحيٌ لمتّى الذي كان عشاراً وبعد ذلك صار رسولاً ليسوع المسيح، الذي نشره للمؤمنين في اليهودية بأحرف عبرية , فهذه الشهادة تدل على أن إنجيله كان باللغة اليونانية لإفادة جميع المسيحيين، ثم نشره بالعبري لإفادة اليهود,
فينتج مما تقدم أن إنجيل متى كُتب باللغة اليونانية، على أنه لا مانع أن يكون قد كُتب بالعبرية، ثم تُرجم لليونانية، فهذا لا يضرّ الوحي بشيء,
وقال المعترض الغير مؤمن: لا يوجد سندٌ متَّصل لإنجيل متى ,
وللرد نقول بنعمة الله : أشار برنابا (الذي كان رفيقاً لبولس) إلى إنجيل متى في رسالته سبع مرات، واستشهد به أغناطيوس سنة 107م في رسائله سبع مرات، فذكر حبل مريم العجيب، وظهور النجم الذي أعلن تجسُّد المسيح, وكان إغناطيوس معاصراً للرسل، وعاش بعد يوحنا الرسول نحو سبع سنين، فشهادته من أقوى البيانات على صحّة إنجيل متى, واستشهد بوليكاربوس (تلميذ يوحنا الرسول) بهذا الإنجيل في رسالته خمس مرات، وكان هذا الإنجيل منتشراً في زمن بابياس (أسقف هيرابوليس) الذي شاهد يوحنا الرسول, كما شهد كثير من العلماء المسيحيين الذين نبغوا في القرن الأول بأن هذا الإنجيل هو إنجيل متى، واستشهدوا بأقواله الإلهية، وسلَّمه السلف إلى الخلف,
وفي القرن الثاني ألّف تتيانوس كتاب اتفاق الأناجيل الأربعة وتكلم عليه هيجسيبوس، وهو من العلماء الذين نبغوا في سنة 173م، وكتب تاريخاً عن الكنيسة ذكر فيه ما فعله هيرودس حسب ما ورد في إنجيل متى، وكثيراً ما استشهد به جستن الشهيد الذي نبغ في سنة 140م، وذكر في مؤلفاته الآيات التي استشهد بها متى من نبوات إشعياء وميخا وإرميا, وقِسْ على ذلك مؤلفات إيريناوس وأثيناغورس وثاوفيلس الأنطاكي وأكليمندس الإسكندري الذي نبغ في سنة 164م وغيرهم,
وفي القرن الثالث تكلم عليه ترتليان وأمونيوس مؤلف اتفاق البشيرين ويوليوس وأوريجانوس واستشهدوا بأقواله وغيرهم,
وفي القرن الرابع اشتبه فستوس في نسبة هذا الإنجيل بسبب القول: وفيما يسوع مجتاز من هناك رأى إنساناً عند مكان الجباية اسمه متى، فقال له: اتبعني, فقام وتبعه (متى 9: 9), فقال فستوس: كان يجب أن يكون الكلام بصيغة المتكلم، ونسي أن هذه الطريقة كانت جارية عند القدماء, فموسى كان يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب، وكذا المسيح ورسله، وزينوفون وقيصر ويوسيفوس في مؤلفاتهم، ولم يشكّ أحدٌ في أن هذه الكتب هي كتبهم, وفي القرن الرابع زاد هذا الانجيل انتشاراً في أنحاء الدنيا,
قال المعترض الغير مؤمن: قال نورتون إن الأصحاحين الأولين من إنجيل متى ليسا منه ,
وللرد نقول بنعمة الله: أنكر الذين لا يؤمنون أن المسيح وُلد من مريم العذراء بطريقة معجزية هذين الأصحاحين، لأنهما يشتملان على نسب المسيح حسب الجسد، واتخاذه الجسد من مريم العذراء بطريقة معجزية, والقرآن يقول إن المسيح حُبل به من الروح القدس بدون واسطة بشرية، فمن أنكر أو كذَّب متى 1 و2 يكذّب القرآن أيضاً,
وإليك الأدلة المؤيِّدة لذلك:
(1) يدل أول أصحاح 3 على أنه مرتبط بكلام سابق, فهو ليس بدء كلام بل هو متصل بكلام يسبقه, وزد على هذا أن متى استشهد في أصحاحي 1 و2 بالنبوات، وهي طريقته المعهودة, فإذا قلنا إن إنجيله خالٍ من نسب المسيح كان ذلك نقصاً، لأنه كتب إنجيله للمسيحيين من أصل يهودي، وكلام الله منزّه عن النقص,
(2) جاء متى 1 و2 في جميع النسخ القديمة بدون استثناء، مثل نسخة الفاتيكان ونسخة كامبردج ونسخة كودكس، وتاريخ هذه النسخ هو قبل الجيل الخامس، فهي منذ 1500 سنة, وكذلك نسخة الباشيتو، وكذلك النسخة الايطالية القديمة والنسخة القبطية، وغيرها من النسخ القديمة,
(3) تكلم علماء الدين الأقدمون على هذين الأصحاحين، فتكلم أكليمندس الإسكندري سنة 194م عن نسب المسيح المذكور في متى 1 ولوقا 3 , وقال هيجسيبوس سنة 173 عبارة ذكرها يوسابيوس إن الإمبراطور دوميتيان فتش عن ذرية داود، فأُحضر أمامه اثنان منهم, قال المؤرخ: لأنه خاف من مجىء المسيح كما جزع وخاف هيرودس قبله , فأشار بهذا الكلام إلى متى 2 الذي يقول إن هيرودس جزع وفزع من المسيح, وذكر يوستين الشهيد (سنة 140) كل الحوادث المذكورة في هذين الأصحاحين، بل ذكر ذات عبارات البشير, وقال إغناطيوس (سنة 107) في رسالته إلى أهل أفسس: وُلد المسيح بمعجزة من مريم العذراء , وذكر ظهور النجم الذي دلَّ على مولده, ولايخفى أن إغناطيوس تُوفي بعد البشير يوحنا بست سنين، فشهادته لها منزلة رفيعة عند العلماء, وهناك شهادات إيريناوس وباقي الآباء الذين أتوا بعد ذلك، والجميع مسلّمون بها, وهناك شهادات أعداء الديانة المسيحية، ومنهم الإمبراطور يوليان الذي كان في منتصف القرن الرابع، وبوقيري الذي كان في القرن الثالث, ومع أن مؤلفاتهم فُقدت، إلا أن أئمة الدين المسيحي ذكروا اعتراضاتهم في أثناء الرد عليها، وأشار جميعهم إلى ميلاد المسيح كما هو مذكور في متى 1 و2,
وقد أقام علماء الدين المسيحي البراهين على صحة كل حادثة ذُكرت في هذين الأصحاحين,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 1: 19 أن يوسف أراد تخلية مريم سراً بسبب حبَلها، حتى كلَّمه الملاك في متى 1: 20 مع أن الملاك كان قد أعلن لمريم قبل ذلك أنها ستحبل (لوقا 1: 26 و27), فيكون أن هذين النصَّين متناقضان ,
وللرد نقول بنعمة الله : النصان صحيحان, ظهر الملاك لمريم، ثم ظهر ليوسف, ولم تكن مريم قد أخبرت يوسف بإعلان الملاك لها، لأنها كانت تعلم أن كلماتها وحدها لن تقنع يوسف بأن حَبَلها هو من الروح القدس, ثم أنها كانت تعرف أنها بريئة، وأن الله قد شرَّفها أن تكون أم المخلّص, فلتنتظر حتى تعلن السماء براءتها ليوسف ولغيره,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 1: 22 و23 وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويدعون اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا , والمراد بالنبي هو إشعياء عند علمائهم، فانه ورد في إشعياء 7: 14 يعطيكم السيد نفسه آية: ها العذراء تحبل وتلد ابناً، وتدعو اسمه عمانوئيل ,
وهذا غلط بوجوه, الأول: كلمة العذراء التي ترجمها متَّى ومترجم كتاب إشعياء بالعذراء، هي عَلْمَه مؤنث علم، والهاء فيه للتأنيث, ومعناه عند علماء اليهود المرأة الشابة، سواء كانت عذراء أو كانت غير عذراء , وجاء هذا اللفظ في الأمثال 30 ومعناه المرأة الشابة التي تزوجت , وفُسر هذا اللفظ في كلام إشعياء بالمرأة الشابة، في الترجمات اليونانية الثلاث في ترجمة سنة 129 وسنة 175 وسنة 200, وكلام متى ظاهر, وقال فري في بيان اللغات العبرية إنه بمعنى العذراء والمرأة الشابة, وحَمْله على العذراء خاصة يحتاج إلى دليل,
وللرد نقول بنعمة الله : لما كان اليهود غير مؤمنين بأن يسوع هو المسيح كلمة الله الأزلي، حاولوا تفسير النبوات لكي لا تصدق عليه رغم وضوحها,
على أن مثل هذه الأدلة لا يصح أن يُخاطب بها إلا اليهودي، أو الكافر، فكلاهما لا يعترف بولادة المسيح من عذراء، بخلاف المسلمين الذين يؤمنون أن الله فضّل مريم على نساء العالمين، فورد في آل عمران 3: 42 وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهّرك، واصطفاك على نساء العالمين وورد في التحريم 66: 12 ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا، وصدقت بكلمات ربها وكتبه، وكانت من القانتين وورد في المؤمنين 23: 50 وجعلنا ابن مريم وأمه آية , والقرآن ذاته شنّع في اليهود لافترائهم على مريم، فقال في النساء 4: 156 وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً , والدليل على أنها كانت عذراء ما ورد في مريم 19: 20 قالت (أي للملاك) أنَّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر، ولم أك بغيّا؟ وفي عدد 21 قال كذلك قال ربك هو عليّ هين ولنجعله آية للناس ورحمة منّا، وكان أمراً مقضيّاً , فالقرآن شاهد بأن مريم حبلت بالمسيح من الروح القدس، وأن الله فضّلها على نساء العالمين، وأنها حبلت بالمسيح وهي عذراء بكر لم تعرف رجلاً, وكان الواجب على المعترض أن لا يتمسك بالاعتراضات الفارغة التي يستند عليها أعداء المسيح ومريم,
يتـــبع