أحمد فؤاد نجم
إلي أرض الوطن الحبيب عاد قداسة البابا شنودة بعد رحلة علاج في الولايات المتحدة، مع إن إحنا اللي اخترعنا الطب وعلمناه للعالم، تصدق إن من خمسين قرن مضت من الزمان كان أسلافنا العظام بيعملوا جراحات في المخ؟ طبعاً مش ح تصدق، عموماً أنت حر لأن ده مش موضوعنا، إحنا موضوعنا هو عودة واحد من أغلي المصريين وأجملهم بعد أن شملته الرعاية الإلهية ومنت عليه بالشفاء فعاد سليماً معافي إلي حضن أمه «مصر المحروسة» في رحاب ملايين القلوب التي تحبه ومن ضمنها قلبي المتعب من العشق، أنا باحب البابا شنودة مش بس لأنه شاعر و«زميل مهنة» لأ دا كمان مواقفه الوطنية الشجاعة والرائعة اللي كلفته كتير والمفروض إني كنت أقابله قبل سفره للعلاج في أمريكا حسب وعد الصديق المهندس نجيب ساويرس أثناء لقائنا في سرادق عزاء فنان الخط الكبير الراحل حامد العويضي، ما أعرفش ليه ومن غير مناسبة قلت له:
أنا باحب البابا شنودة يا نجيب.
قال لي ع الفور:
- تحب تشوفه؟
قلت له:
- أرجوك.
واعتبرت إن ده وعد من نجيب مع إن الراجل ماوعدش زي ما تقول كده كنت باتلكك، ثم مرت الأيام ولم أسمع فيها صوت المهندس نجيب ساويرس لمدة طويلة ودي مش حادثة ولا حاجة وأنا أحيانا ما بسمعش صوته لمدة عام كامل ولو طلبته في المخروب المحمول يرد عليَّ صوت نجيب ويقول لي بمنتهي الأدب:
- معلش أنا في اجتماع وربما تكون طالب من نمرة تانية.
أقول في عقل بالي من باب «حبيبك يبلع لك الزلط» الله يكون في عونه وتعدي الحكاية كأنها ما حصلتش لحد ما اتعودت أو أدمنت والحمد لله علي كل حال.
وأنا عن نفسي باعتبر عودة الأحبة من السفر من أسعد لحظات حياتي إن لم تكن أسعدها علي الإطلاق ولسه فاكر وأنا في سجن الاستئناف بتهمة إهانة الرئيس المؤمن محمد أنور السادات «سادس الخلفاء الراشدين» كما سماه مجلس الشعب المصري آنذاك، وكانت جريمتي ترقي إلي حد الخيانة العظمي لإني تطاولت علي «سيد البلاد وأكبر رأس في مصر» كما زعم رئيس نيابة أمن الدولة في ساحة المحكمة، وكانت معي مجموعة من الطلبة المعتقلين وهم في عمر الزهور، وأثناء إحدي الجلسات قال لي أحدهم:
-يا بختك يا عم أحمد محكمة عسكرية يعني دخلت التاريخ.
وتشعب الحديث نحو صمت جميع شعراء مصر إزاء هذه المسألة اختلفت الآراء حول موقف شعراء مصر من هذه القضية ناس اتهمتهم بالشماتة في شخصي الضعيف وناس اتهمتهم بالخيانة وأنفسهم كشعراء، وناس وجدت لهم العذر في الخوف من بطش السادات الذي كان قد فقد توازنه أمام الانتفاضة العارمة لشعب مصر من الإسكندرية لأسوان تلك الانتفاضة المجيدة التي سماها الرئيس المؤمن «انتفاضة حرامية!!» ويومها كانت جريدة الأهرام في صفحتها الأخيرة تنشر خبر عودة صلاح جاهين سالماً من العلاج في أمريكا فعلق أحد الطلبة:
- هما ما بيموتوش ليه؟
وكأنه طعن قلبي بسكين حاد لأن صلاح جاهين عندي ليس كمثله أحد من الشعراء كنت أحبه لدرجة العشق وزاد من عشقي له عشقه هو لبيرم شاعر الشعب الخالد، دخلت زنزانتي وكتبت لصلاح جاهين:
حمد الله ع السلامة
وسلامتك يا جميل
ياريته كان في قلبي
شريانك العليل
نفسي أكتب لك قصيدة
زيك مالهاش مثيل
حراقة وبنت نكتة
قزعة وبلسان طويل
وتكون بعيون كحيلة
فيهم حزن الأصيل
ع الشاعر اللي ولي
والشعر السلسبيل
الله يرحم زمانك
يا شاعر يا علم
حمد الله ع السلامة
وسلامتك م الألم
والحقيقة أني قلت كلام وشعر الدنيا ما يكفينيش في فرحة استقبال قداسة البابا شنودة الثالث راعي أقباط مصر المحروسة حفظه الله ومتعه بموفور الصحة ورسخ في قلبه المزيد من التعاطف مع فقراء مصر المحروسة مسلمين ومسيحيين لأن الجوع يا أبانا الذي في الأرض تحول إلي وحش مفترس لا قلب له تماماً كما توحش صديقه الفساد، أعانك الله علي ما نحن فيه وحفظ مصر المحروسة المحاطة بالخونة والأعداء