قيل، قديماً، إنّ الربّ الإله يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء من الجيل الثالث والرابع من
مبغضيه (خر 20: 5). بعض الناس، في زمن يسوع، كان يظنّ أنّ هذا القول لا يزال
ساري المفعول. لهذا سأل التلاميذ الربّ يسوع: يا معلِّم مَن أخطأ هذا أم أبواه حتى وُلد
أعمى؟ تكلّموا عن أبويه وتكلّموا عنه هو أيضاً لأنّ حزقيال النبيّ عاد فقال إنّه بذنبه
يُطَالَب المذنب دون آبائه ودون ذرّيته. جواب يسوع كان واضحاً: "لا هذا أخطأ ولا
أبواه". ليس العمى عائداً إلى ذنب شخصي ولا عائلي. إلامَ هو عائد إذاً؟ إلى وضع
البشريّة العام وهو وضع السقوط الذي تولّد عنه المرض والألم والموت. ثمّ القول
"لتظهر أعمال الله فيه" لا يعني أنّ الله هو مَن جعله أعمى ليشفيه من بعد كما يظنّ
بعض الناس خطأ. العمى ليس من عمل الله. وقد أبان الربّ يسوع طبيعة عمله عندما
قرأ في مجمع الناصرة ما جاء في سِفر إشعياء النبيّ (راجع لو 4: 16 وما يليها):
"روح الربّ عليّ لأنّه مسحني لأُبشِّر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب،
لأُنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأُرسل المنسحقين في الحرّيّة وأكرز بسنة
الربّ المقبولة"، ثمّ أردف: "اليوم قد تمّ هذا المكتوب في مسامعكم". إذاً يسوع جاء ليخلِّص ما قد هلك.
على هذا يكون السؤال: ما حكمة الله من موت الأطفال والألم والأوجاع التي يمرّون
بها؟ أقول يكون السؤال خطأ لأنّ موت الأطفال والألم والأوجاع ليس من الله. أما إذا
كان السؤال: لماذا يسمح الربّ الإله بذلك؟ فإنّ السؤال، إذ ذاك، يختلف – في موقف الله
حكمة؟ طبعاً! الموت والألم باقيان، إلى قيام الساعة، علامة لا لما فعله الله بالإنسان بل
لما فعله الشيطان بالإنسان والإنسان بنفسه. والله أبقى على الموت وآلام الجسد بعد
قيامته لأنّ الإنسان بعدما خاب عن الخلاص بطاعة الله في الفردوس وسمع لهمس الحيّة
الشيطان، أراد الله أن يخلِّصه بالآلام والموت بالذات. لذا مات المسيح وقام. القيامة
صارت الخلاص والموت بات، في التدبير الإلهي، أداة للقيامة وتالياً للخلاص. هكذا
المرض والألم والحروب والكوارث. كلّها صارت، بسبب الحالة التي آل إليها الإنسان،
أدوات للخلاص. انظر إلى كيفية تصرّف الناس تفهم! الإنسان المعافى في الجسد كثيراً
ما يميل إلى التراخي والابتعاد عن الله، أما المريض فيصير أكثر استعداداً للتوبة إلى
الله. هكذا البشر في الآلام في مقابل البشر الغارقين في ملذّات الحياة، وهكذا الإنسان
الخائف من الموت في مقابل المطمئن على مصيره. فلأن هذا صار واقعَ الإنسان خاطبه
الربّ الإله بما يفهم. الإنسان يظنّ أنّه كان على الله أن يُطيح، بالقيامة، المرض والألم
والموت والكوارث. ولو كان الله فعل ذلك لعاد الإنسان واستدعاهم من جديد لأنّهم من
صنع مشيئته والشيطان. إذا لم يُشْفَ قلبُ الإنسان وإذا لم تُصلَح إرادة الإنسان فلا نتيجة
تُرتجى. لذلك جعل الربّ الإله المرض والألم والموت أدوات علاجيّة ليعود الإنسان عن
غيِّه ويتوب إلى ربّه ويرى كم يسيء إلى نفسه إذا ما ابتعد عن ربّه وعن وصاياه. هكذا
يصل الإنسان بالموت في المسيح إلى الحياة الأبديّة وبالوجع إلى الفرح وبالمرض إلى
سلامة القلب. طبعاً هذا الكلام للمؤمنين لا لغير المؤمنين الدهريّين الذين يعتبرون الحياة
تبدأ هنا وتنتهي هنا أو الذين يعتبرون الله خادماً لرغبات الناس.