آخر آية في رسالة يعقوب الرسول تقول: "فليعلم أن من رد خاطئاً عن ضلال طريقه، يخلص نفساً من الموت ويستر كثرة
من الخطايا" (يعقوب 20:5). وقال الله لحزقيال النبي: "يا ابن آدم: قد جعلتك رقيباً لبيت إسرائيل. فاسمع الكلمة من فمي وانذرهم من قبلي. إذا قلت للشرير موتا تموت وما أنذرته أنت ولا تكلمت إنذارا للشرير من طريقه الرديئة لإحيائه، فذلك الشرير يموت بإثمه، أما دمه فمن يدك أطلبه. وإن أنذرت أنت الشرير ولم يرجع عن شره ولا عن طريقه الرديئة، فإنه يموت بإثمه، أما أنت فقد نجيت نفسك. والبار إن رجع عن بره وعمل إثما وجعلت معثرة أمامه، فانه يموت لأنك لم تنذره يموت في خطيته، ولا يذكر بره الذي عمله، أما دمه فمن يدك أطلبه. وإن أنذرت أنت البار من أن يخطئ البار، وهو لم يخطئ، فإنه حياة يحيا، لأنه أنذر وأنت تكون قد نجيت نفسك" (حزقيال 18:3-21
فماذا نتعلم من هاتين الآيتين؟
هل يذهب أي شخص لينصح أي أحد آخر لا يعرفه أو حتى معرفته به بسيطة؟! بالطبع لا..
لتلمس بنفسك هل من الممكن عمل هذا أم لا، ضع الأمر على نفسك.. أي ضع نفسك مكان هذا الشخص الذي تظنه أنه خاطئ، ثم يأتي أحد لا تعرفه أو معرفتك به سطحية ليقوم بعمل نفسه رقيباً عليك، ويخبرك أو يحاول أن ينصحك بألا تفعل هذا، لأنك لا تعرف أنه خطأ!! فهل تقبل منه هذا الكلام؟! حتى وإن كنت متأكداً من الأمر الذي تفعله هو خطأ، فهل ستقبل النصيحة وتقول له "أخطأت" وتعده بألا تفعل هذا الأمر؟! بالتأكيد لا.. وربما تُسمِع هذا الشخص عظة من جانبك عن أن يهتم بما لنفسه، ولا يزج بنفسه بما لا علاقة له به.. ثم بعد ذلك ستتوتر علاقتكما إن وجدت علاقة أصلاً!! وربما تعرف أن ما تفعله خطأ، ولكن تأتيك النصيحة في وقت غير مناسب فترفضها... إلخ.
فهل أترك الشخص الخاطئ في خطأه ولا أسمع لقول الكتاب؟!
إذا كنت أنت، وأنت بعيد عن هذا الشخص ترى ما هو عليه (حسبما تظن)، فبالأولى المحيطين به من أصدقائه وأقاربه وأهله يلاحظون المشكلة.. فهم بالتأكيد الأولى بالنصح، والأقدر عليه..
أما إذا كان الشخص الذي تتحدث عنه تعرفه جيداً، ولك به أو بها صلة قوية.. فعندئذ تستطيع أن تجلسا معاً في جلسة محبة ونصح بقلب نقي، وبدون استعلاء.. وهنا تتناقشان في الأمر، وتعطي رأيك، وتسمع الرأي الآخر، وتمد يد المساعدة..
فلا تضع ذاتك في موقف الناصح للجميع، فالشخص قد يرى أخطاء الآخرين واضحة أمامه لأنه يراهم من منظار المتفرج، ولكن ينبغي ألا أنسى أنني أنا بنفسي قد أقع في أخطاء، أو أكون واقعاً فيها بالفعل، ولا أراها لأني أهتم بمشاهدة الآخرين، ووضع نفسي بمنزلة المعلم والناصح!!
وضع الله دوراً لكل أحد، فأنت في الكنيسة مثلاً تقوم بممارسة دورك حسبما يكون، ولا تتعدى على دور الشماس، ولا الشماس على الكاهن، القس.. القمص.. الأسقف.. البطريرك..
والأجدر في الأمر، إذا كنت تعرف أب اعتراف هذه الفتاة، أو الكنيسة التي تذهب إليها، تستطيع ببساطة الذهاب للأب الكاهن، واخباره عن ملاحظاتك، بدون أي أحكام مسبقة.. وتترك الأمر في يديه.. وبهذا تكون أنت من جانب لم تُحرِج نفسك أو تضعها في موقف لا تُحسَد عليه، ولم تحرج الشخص المعني بالمشكلة من جانب آخر، وكذلك تكون قد غسلت يدك من هذا الأمر برمته، وبرأت ذمتك أمام الله..
دائماً ضع الحكمة مع أي فضيلة.. فأي فضيلة خالية من الحكمة لا تُحسب!
ولا تنسى أيضاً أن تضع الأمر أمام الله بالصلاة من أجل مَن تراهم في حاجة.. ولا تنسى ذاتك من الصلاة..