يُقيم المسيحيون في العالم كما تُقيم الروح في الجسد. الروح منتشرة في أعضاء الجسد انتشار المسيحيين في مدن العالم. الروح تقيم في الجسد، الا انها ليست من الجسد المنظور.
المسيحيون انت تراهم في العالم، الا أن العبادة التي يؤدُّونها لله عبادة لا منظورة. الجسد يكره الروح ويعاديها، وإن لم ينله منها أذى، سوى انها تحول دون انغماسه في حمأة اللذات.
العالم يكره المسيحيين، لا لانهم أساؤوا اليه، بل لكونهم يتصدَّون لما فيه من شهوات منحرفة فاسدة. تحب الروح الجسد الذي يكرهها، كما يحب المسيحيون مبغضيهم. الروح سجينة الجسد، ولولاها لما كان الجسد من حياة، والمسيحيون موثوقون في سجن العالم، ولولاهم لا قيام ولا حياة للعالم.
المسيحيون، يسكنون عالم الفناء بانتظار عالم لا يفنى، ولا يزول. ترتقي الروح في مدارج الكمال إن أماتت ذاتها بالعطش والجوع، والمسيحيون يُضطهدون وانت تراهم أبدا من يوم الى يوم يتكاثرون. لقد أنزلهم الله من العالم منزِلة الروح من الجسد، منزلة الشرف فلا يحق لهم أن يتخلَّوْا عنها.
المسيحيون في الجسد، ولكنهم لا يحيون حسب الجسد. يصرفون العمر على الارض، الا انهم من مواطني السماء. يمتثلون للشرائع القائمة، الا أن نمط حياتهم يسمو كمالا على الشرائع. يتوددون الى الجميع، والجميع يضطهدونهم ويتنكرون لهم ويحكمون عليهم، وبموتهم يربحون الحياة.
انهم فقراء، وبفقرهم يغنون الكثيرين. يفتقرون الى كل شيء، وكل شيء فائض لديهم. يحتقرهم الناس، وباحتقار الناس إياهم يتمجدون. ينمُّون عليهم فيتبرَّرون، يشتمونهم فيباركون، يهينونهم فيكرَّمون، لا يعملون الا الصلاح، ويعاقبون كالسفلاء، وفي عِقابهم يتهللون، كأنهم يولَدُون للحياة