ما مـعنى الغفــــــــــران في
المسيحيـــة؟
كلمة غفران في الكتاب المقدس , تعني تغطية الخطايا ,
أو سترها أو التكفير عنها . و قد استعلمت لأول مرة في سفر التكوين ( 6:14) بمعنى ’
طلي‘ ثم تطورت بالمعنى , حتى استعملت للغطاء في قدس الأقداس . وفي العهد الجديد , ا
استعملت للتكفير عن الخطايا بدم المسيح . اذن فالغفران هو ستر خطايانا بدم كفارة
المسيح .
في الواقع أنه حين نتأمل في موضوع الغفران من خلال الكتاب المقدس
, يتضح لنا أن المسيح , هو علة غفران خطايانا , لانه كفر عنها , بموته على الصليب .
هذه الحقيقة تكشفت للرسول يوحنا , فكتب لنا شهادته , إذ قال :" إن أخطأ أحد فلنا
شفيع عند الآب , يسوع المسيح البار .وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل
لخطايا كل العالم أيضا" ( رسالة يوحنا الأولى 1 ) أيضا جاءت كلمة غفران بمعنى رفع
الخطايا , كقول يوحنا المعمدان : ’ هودا حمل الله الذي يرفع خطية العالم ‘ (
الإنجيل بحسب يوحنا 1:29 ) .
وثمة سائل يقول : لماذا لا يغفر الله بدون
كفارة ? و الجواب هو : أولا لان الله حاكم أدبي على جميع البشر , ومن مستلزمات
عدالته و بره , أن يحترم الشريعة . و الشريعة تقول:’ أن النفس التي تخطىء هي تموت‘
. ثانيا إنه لصالح جميع البشر , أن تحترم الشريعة . لأن احترام الشريعة , ضمان
الأمان والطمأنينة . ثالثا كان يجوز للبشر أن يتقدموا بهذا السؤال , الذي فيه شيء
من الاعتراض , لو كانوا هم أنفسهم مطالبين بتقديم الكفارة . أما وقد قدم الله نفسه
هذه الكفارة , فمن الواجب أن " يسند كل فم , و يصير كل العالم تحت قصاص من الله ."
( رسالة رومية 3 :19) ولكن الله, الذي هو غني في الرحمة , فلأجل مسرته , يبررنا
مجانا بنعمته بالفداء , الذي بيسوع المسيح , الذي قدمه الله كفارة , بالإيمان بدمه
, لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله ( رسالة رومية3: 24-25
الإنسان والغفران :
من المسلم به , أن
الذين يشعرون بشناعة خطاياهم , يحاولون إرضاء الله بوسائل مختلفة لكي يغفر لهم :
1- بالأعمال الصالحة: الأعمال الصالحة, لها قيمة
طيبة في حد ذاتها, و لكنها لا تستطيع أن تنال غفران الله عن الخطايا السالفة. هذه
الحقيقة أعلنت لنا على لسان إشعياء النبي , حين قال قد صرنا كلنا كنجس و كثوب عدة
كل أعمال برنا , وقد ذبلنا كورقة و آثامنا كريح تحملنا ( إشعياء 46 :6 ) وهذه
الحقيقة نفسها كشفت للرسول بولس , فكتب لنا وصيته الملهمة بالروح القدس : " ليس من
أعمال كي لا يفتخر أحد . لأننا نحن عمله , مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة ,
قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها ". (رسالة أفسس 2: 9-10)
ونفهم من قول
الرسول المغبوط , أن الأعمال الطيبة التي يقوم بها الإنسان , لا يمكن أن تنيله
الغفران . لأن لا فضل له فيها , إذ هي من الواجبات الضرورية , التي وضعت عليه .
والمسيح نفسه , أشار إلى هذه الحقيقة حين قال : " متى فعلتم كل ما أمرتكم به ,
فقولوا إننا عبيد بطالون , لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا " ( الإنجيل بحسب
لوقا 7:01). فكأن المسيح , يذكرنا بالوصية الأولى و العظمى في الناموس : " تحب الرب
إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك " و هذه الوصية تعني أن محبتنا للرب يجب
أن تقترن بخدمته و عمل الصالح قدام عينيه . ولعل أروع مثل نتعلمه في سيرة داود ,
الذي حين قدم هو ورجاله كمية ضخمة من الذهب لبناء الهيكل قال :" من أنا و من هو
شعبي , حتى نستطيع أن ننتدب هكذا " لأن منك الجميع , ومن يدك أعطيناك , أيها الرب
إلهنا كل هذه الثروة , التي هيأناها , لنبني بيتا لأسم قدسك , إنما هي من يدك و لك
و الكل " .
صحيح , أن الأعمال الصالحة ضرورية جدا نظرا لتوافقها مع أفكار
الله , لكن الأعمال الصالحة , لا يمكنها أن تشتري الغفران , و إلا لحذفت كلمة نعمة
من معاجم اللغة .
2- الصلاة : الصلاة أيضا , ليست
بوسيلة غفران فالخاطئ قد أساء إلى الله , و ليس باستطاعته أن يعوض عن الإساءة بمجرد
التوسل والابتهال . و كذلك لا يستطيع بالتوسل والابتهال , أن يحظى برحمة الله لان
رحمة الله مقترنة بكماله المطلق في العدل .
و كذلك الخاطئ لا يتمتع بشفاعة
الروح القدس , الذي يجعل نفس الإنسان متوافقة مع الله , و بالتالي يشفع في صلاته ,
و يجعلها مقتدرة كثيرا في فعلها .
وثمة من يسأل : من يستطيع إذن أن يصلي ?
الجواب : الذي قبل المسيح , ونال غسل خطاياه بدم صليب الفادي . لذلك فالصلاة , ليست
وسيلة للحصول على الغفران . و إنما هي علاقة طيبة يتمتع بها الإنسان مع الله , بعد
غفران خطاياه .
3- الصوم : الصوم مظهر من مظاهر
التذلل و كسر النفس , إلا أن ممارسته لا تكفي للتعويض عن الإهانة الموجهة إلى الله
بسبب الخطية . وبالتالي , لا يتيح للخاطئ الغفران.
و قد عرف بالاختبار أن
الذين يصومون , طمعا في ثواب الله , هم في الواقع لا يؤدون بصومهم عملا نافعا لله
وللناس , يستحقون من أجله جزاء . فقد قال الله :" ل ما ن حتم وصمتم , هل صمتم صوما
لي ? و لما أكلتم و شربتم , أفما كنتم أنتم الآكلين , و أنتم الشاربين ?" ( زكريا
7:5 )
4- الشفاعة : ليس في الكتاب المقدس تعليم
يقول أن شفاعة الأولياء والقديسين , الذين سبقونا , تغفر الخطايا . وقد جاء في
التعليم الرسولي أنه " يوجد إله واحد ووسيط واحد , بين الله والناس , الإنسان يسوع
المسيح , الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع , الشهادة في أوقاتها " . (الرسالة الأولى
إلى تيموثاوس 2:5 ) و ليس بأحد غيره الخلاص . لأن ليس إسما آخر تحت السماء , قد
أعطي بين الناس , به ينبغي أن نخلص ( أعمال الرسل 5 :21) .
5- التوبة : ما أجمل التوبة ! إنها تحول دون ارتكاب الكثير من
الخطايا . و لكنها مع جمالها لا تستطيع غفران ما سلف من الخطايا .... إن قاتلا ,
إرتكب جريمة قتل , و لكنه في أثناء المحاكمة يقطع وعدا بالكف عن إرتكاب الجرائم .
فهل يجد القاضي في وعده سببا للعفو عنه ? كلا إطلاقا , لأن القاضي الذي أقيم حارسا
على القانون , لا يمكن أن ينقضه . فإن كان القاضي الأرضي , لا يجيز لنفسه كسر
العدالة , فكم بالحري يكون قاضي السماء و الأرض , الذي قال : النفس التي تخطىء هي
تموت ( حزقيال 81:02 )
كيف نحصل على الغفران إذا ?
هذا سؤال , تردد على لسان كل خاطئ إستيقظ ضميره من س بات نوم الموت
, في كل جيل وعصر . و الجواب عليه : بالفداء .إذ يقرأ في رسالة كولوسي هذه التسبيحة
الرائعة : " ... شاكرين الآب , الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين من النور , الذي
أنقذنا من سلطان الظلمة و نقلنا إلى ملكوت ابن محبته , الذي لنا فيه الفداء , بدمه
غفران الخطايا" ( كولوسي 1: 21-41 )
هذه الحقيقة كشفت لرجال الله , فكتبوا
لنا شهاداتهم بما أعلن لهم . منهم إشعياء النبي الذي نقل لنا إعلان الله القائل : "
من تعب نفسه يرى و يشبع , وعبدي البار بمعرفته , يبرر كثيرين و آثامهم هو يحملها .
لذلك أقسم لهم بين الأعزاء , ومع العظماء يقسم غنيمة,من أجل أنه سكب للموت نفسه , و
أحصي مع آثمة . و هو حمل خطية كثيرين , و شفع في المذنبين ". ( إشعياء 35 : 11-21)
و منهم يوحنا المعمدان , الذي كشف عن بصيرته فعرف أن يسوع هو المسيح فادي الخطاة ,
فقال : هوذا حمل الله , الذي يرفع خطية العالم" (الإنجيل بحسب يوحنا 1:29) .
في الواقع إن معلنات الله في الإنجيل المقدس , تؤكد لنا أن غفران الخطايا ,
هو نتيجة الفداء الأولى . و قد أشار المسيح إلى ذلك , حين رسم العشاء الرباني , إذ
قال : " هذا هو دمي , الذي للعهد الجديد , الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا
" ( الإنجيل بحسب متى 26:28 ) .
و الغفران , ينال بالنعمة , , المسيح هو
وسيط النعمة . لأن فيه اختارنا الآب للحياة الأبدية, وفيه تبنانا , و فيه باركنا
بكل بركة روحية في السماوات .
بالفداء العظيم , صار المسيح وسيط صالحنا مع
الله . وثمرة الفداء , هي غفران الخطايا . وكمية الغفران , ليست محدودة , لأن الله
غني في الرحمة من أجل محبته الكثيرة .
أما نتائج الغفران فهي :
1- ارتداد غضب الله عن الخاطئ, و تدفق الرضوان
الإلهي عليه بحسب غنى نعمته , التي أنعم بها علينا فى المحبوب يسوع .
2-كسر شوكة الآلام المبرحة , التي ينشئها نخس الضمير المحتج في
قلب الأنسان .
3- رفع العقاب الذي يستحقه الإنسان ,
بسبب خطاياه , وشفاء ضميره من أعمال ميتة ليخدم الله الحي .
فشكرا لله لأجل
غفرانه .